أَحْبِبْنِي كَمَا أَنَا، إِنْ كُنْتَ
تُحِبُّنِي...
كانت "مُزيَّن" تُغنِّي بصوتٍ
حزينٍ أغنية "أحببني كما أنا إن كنت تحبني"، لكن ما إن تسمع لحناً
راقصاً حتى تتحرك قدماها من تلقاء نفسيهما! ففي صباحٍ آخر، كانت تُعدّ الإفطار
وتستمع إلى الراديو. انطلقت أغنية شعبية راقصة، فبدأت تُحرّك معصميها المزينين
بالأساور الذهبية وهي تترنّم:
"آه من هناك... ويا
سلام... من هذا الجانب وذاك... من خد التفاح الأحمر..."
وفجأة، دخل زوجها "عرفان"
وقال بصوتٍ فيه شيء من الدهشة:
ـ "ما الأمر يا مزيَّن؟ صباحك كله
رقص! أسأل الله أن يديم عليك البهجة."
فردّت ضاحكة:
ـ "هيا بنا نرقص سوياً!"
قال متنهداً وهو يرتدي حذاءه:
ـ "دعكِ من الرقص، يا مزيَّن،
العمل ينتظر، والناس تنتظر، والدائنون ينتظرون، وحتى المدينون ينتظرون... المسافر
يجب أن يمشي في طريقه."
وغادر دون أن يتناول فطوره.
تنهّدت مزيَّن وقالت:
ـ "يا إلهي! أيّ رجل هذا؟ جافّ،
قاسٍ، بلا روح! لا يمكننا أن نتبادل كلمتين، ولا حتى نشارك أغنيتين؟ لو لم يُفسد
عليّ فرحتي، هل كان سيحدث شيء؟"
كان مزيَّن وعرفان نقيضين تمامًا.
عرفان رجل عمل ونظام، أما مزيَّن فخفة
ظل، حضورٌ لا يُضاهى في كل عرسٍ أو حفلة. ممتلئة الجسم، وردية الخدّ، لا تفارقها
الابتسامة... وعرفان؟ نحيف، متجهم، جامد الملامح. حتى صورتهما معًا تبدو متضادة!
كانت تقول:
ـ "منذ تزوجت عرفان، وكأن الدنيا
أظلمت في وجهي!"
ففي كل مناسبة كان يُنغص عليها:
ـ "هل أنتِ راقصة؟ ما كل هذا
الرقص! اجلسي قليلاً!"
وإذا بكَت في عزاء:
ـ "ما هذا النحيب؟ كفي!"
وإذا شاهدت فيلماً:
ـ "هذه تمثيلية، ليست
حقيقية!"
كانت مزيَّن تصمت، لكن قلبها يتألم. لا
شيء له طعم مع عرفان، ومع ذلك، لم تكن لتتخلى عنه.
مرت السنوات، وعرفان لا يزال يُملي،
ويُعقّب، ويكشّر، ويُعيب...
ومزيَّن؟ تفعل ما يحلو لها، وتُحبه رغم
كل شيء:
ـ "هو زوجي في النهاية، عماد بيتي،
وأقوى أركانه! من سينقذني حين أُورط نفسي؟ كم مرة دخلت قسم الشرطة بسبب مواقف لا
علاقة لي بها، وهرع عرفان لينقذني!"
وكان إن قال لها يومًا:
ـ "يكفي يا مزيَّن! هل لا تمرّ
علينا يوم دون مشكلة؟"
فتُعانقه وهي تُغني:
ـ "أحببني كما أنا إن كنت
تحبني..."
فتذيب قلبه، وتُعيد إليه بسمته.
وحين يغيب، كانت تُدرك أيضًا أنه رجلٌ
مُتعب، يحمل من الهموم ما لا تقدر هي على تخيّله، فإذا غضب، فمن حقه! فحتى الحجر
ينفجر تحت هذا الضغط!
كانت تُلبسه معطفه، تُقبّله من خدّه،
وتُودّعه بضحكة... وتُلاقيه عند عودته من الشرفة، بشغف لم يتغيّر قط:
ـ "آه! عرفاني عاد! نورت
البيت!"
ضحكاتها كانت تُحيي البيت، لا تعرف
الزعل، وإن قالت:
ـ "آه عرفان، من غيري كان
سيتحمّلك؟!"
عادت بعدها لتطبخ له أطيب الأكلات:
ـ "عرفاني يحب هذا الطبق."
ورغم أن عرفان كان يشتكي:
ـ "لا تفكر إلا في الرقص والخروج،
رأسها في السحاب!"
لم يكن يحتمل غيابها. كانت مزيَّن روحه،
فرحه، طمأنينته.
حتى تعب اليوم كله كان يتبخر بكوب قهوة
من يدها ويد تُدلّك قدميه.
كان يحب حتى طريقة استقبالها له على
الباب:
ـ "آه عرفاني عاد! حيّاك
الله!"
وكان البيت من دونها موحشاً حين غابت في
رحلة مع صديقاتها.
لكن مزيَّن كانت تحتاج مَن يُصلح
وراءها. تصدّق كل ما يُقال، وتقع في المشاكل بسرعة...
ـ "يا وجع رأسي الجميل! لو لم أكن
هنا، لا أدري ما الذي كان سيحل بكِ!"
ورغم كل الخلافات، عاشا معًا عمرًا
طويلاً...
كم مرة ضحك الجيران من شجاراتهم في
الحي، لكن الجميع كان يحبهم!
وحين ترى مزيَّن حال الأزواج اليوم،
تتحسر:
ـ "أول مشكلة، ويجرّون بعضهم إلى
المحكمة! أما أنا؟ كم مرة قلت: هذا الرجل سيقضي عليّ! وكم مرة اشتكى هو من
فوضاي؟"
لكن أبدًا لم يفكر أحدهما بالطلاق.
ـ "ما دام القلب دافئًا، والزوايا
الحادة تُهذّب مع الوقت... أليس هذا هو الزواج؟ أن نكون مختلفين، لكن نتناسق؟ أن
نُكمل بعضنا؟ أن نجد في الآخر سكينةً وسَكَنًا؟"
تعلّم كل منهما من الآخر، حتى صارا
وجهين لعملة واحدة...
عرفان أصبح أكثر مرونة، مزيَّن أصبحت
أكثر حرصًا.
فمن يقدر على غضب عرفان؟ ومَن يجاري خفة
دم مزيَّن؟
لو تزوج كلٌّ منهما من نسخة من نفسه،
لكانت كارثة!
لكن الحياة تكتمل بالتناقضات، والاختلاف
رحمة...
كالحقل الذي تزينه أزهار بألوان شتى، لا
طعم للحياة إن كنّا جميعًا على نمطٍ واحد، كالروبوتات!
فلنرَ الجمال في اختلافاتنا كما رأيناه
في قصة مزيَّن وعرفان...
فلنحب بعضنا كما نحن،لا كما نريد أن نصبح...
لكن إن اقتربنا قليلاً من بعضنا، ألن
تصبح الحياة أجمل؟
استراتيجيات لتصميم مستقبلنا، بناءً على تجارب الماضي.
ومن خلال ندواتها "من هو"، و"الإتقان في
العلاقات"، و"علم نفس الناجح"، فإنها تعلم الأشخاص الذين يريدون أن
يكونوا سعداء وناجحين الأساليب التي يحتاجونها لحل مشاكلهم وتحقيق أهدافهم.
"هناك شيء واحد فقط في الحياة لا يمكن اكتشافه
أبدًا: شيء أفضل..."
يحيى حموركو-
Yorumlar